الأحد، 14 فبراير 2010

فضل إنظار المعسر والعفوعن الديون ... سبحان الله

*فضل إنظار المعسر والعفو**عن الديون*



*الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله **أما بعد**:*
*فهذا مقال أذكر فيه نفسي وإخواني بعمل من أعمال البر والخير**والمعروف، وعد الله من يفعلها بالجزاء الجزيل يوم القيامة، وبالظل الظليل يوم العرض **على الله، والثواب الكبير**وهذا العمل هو إنظار المدين المعسر الذي لا**يملك ما يسد دينه، وكذلك من يتجاوز عن الديون ويسامح أصحابها ويعفو عنهم** ..*

*(1)*



*قال الله عز وجل: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ** فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ **تَعْلَمُونَ**)*
*فحث الله جل وعلا على إنظار المعسر، وعدم التثريب عليه** والتشديد عليه في أداء ما عليه من الدين-فضلاً عن حبسه وأذيته بالمن ونحو ذلك- إذا**كان لا يملك ما يسد به دينه مع**رغبته في السداد**،**وقصده رد المال لصاحبه (**وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ **فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ* )
*بل أرشد الله عز وجل إلى أمر أعظم من ذلك **وهو التنازل عن الدين، والتصدق به على من كان لازماً له (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ**لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)*
*قال العلامة ابن كثير رحمه الله** : «**وقوله: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ **تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) : يأمر تعالى بالصبر على **المعسر الذي لا يجد وفاء، فقال: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى** مَيْسَرَة) أي: لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما**أن تقضي وإما أن تربي**.*
*ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب **الجزيل، فقال: ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي**: **وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين. وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة **عن النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك**...».*

*(2)*

*ومن تلك الأحاديث** :*

****عَنْ عَبْدِ اللَّهِ** بْنِ أَبِي قَتَادَةَ : أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى **عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ**.ف**قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ**: **آللَّهِ**.*
*قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ**وَسَلَّمَ يَقُولُ**: *(*مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ **مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ)**رواه مسلم في صحيحه**. *
*قال النووي رحمه الله: ( وَمَعْنَى**يُنَفِّس ) أَيْ يَمُدّ وَيُؤَخِّر الْمُطَالَبَة ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يُفَرِّج** عَنْهُ . وَاَللَّه أَعْلَم**.*

** **وروى مسلم في صحيحه: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ** الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ**: *
*خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي **نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا،**فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى **اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ،**وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ **وَمَعَافِرِيَّ فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً** مِنْ غَضَبٍ**!*
*قَالَ: أَجَلْ. كَانَ لِي عَلَى فلان ابْنِ فُلَانٍ** الْحَرَامِيِّ [يعني بذلك أنه من بني حرام من الأنصار] مَالٌ فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ **فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لا**! *
*فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ **لَهُ جَفْرٌ[أي صغير السن] فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ **فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي**.*
*فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ، فَقَدْ عَلِمْتُ **أَيْنَ أَنْتَ. فَخَرَجَ فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ اخْتَبَأْتَ **مِنِّي؟*
*قَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ ثُمَّ لا أَكْذِبُكَ، خَشِيتُ**وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ **صَاحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ وَاللَّهِ **مُعْسِرًا**.*
*قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ. قُلْتُ: آللَّهِ. قَالَ**: آ**للَّهِ. قُلْتُ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ**. *
*قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ** فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلا أَنْتَ **فِي حِلٍّ، فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى **عَيْنَيْهِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا، وَأَشَارَ**إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ- رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ**يَقُولُ**مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ **أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ** )*

*وفي رواية عند ابن أبي شيبة **وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله تعالى في **ظل عرشه)* *فتبين أن المراد **بظل الله: ظل العرش**.*

*وقد جاء صريحاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه **قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَنْظَرَ**مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ **عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ) . رواه الترمذي وابن الأعرابي في معجمه **والقضاعي في مسنده وغيرهم وإسناده صحيح**. *

*قال القرطبي في تفسيره: «وإنظار**المعسر تأخيره إلى أن يوسر**.**والوضع عنه إسقاط الدين عن ذمته**.

* ****عن أبي **هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ **وَسَلَّمَ قَالَ: ((كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا **قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا،**فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ)) رواه البخاري ومسلم**.*

*وقد جاء الحديث بمزيد** تفسير عند أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه وغيرهم: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى **اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ **وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ** مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، **فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟**قَالَ: لا. إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا **بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ**: **خُذْ مَا تَيَسَّرَ**وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ**عَنَّا**.**قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ تَجَاوَزْتُ **عَنْكَ**)*

*وروى البخاري ومسلم والسياق له عن حُذَيْفَةَ **قَالَ**:*
*أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا** فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ -قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ** حَدِيثًا- قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ** وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ**الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ** عَبْدِي**.*
*فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ **الْأَنْصَارِيُّ هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ** عَلَيْهِ وَسَلَّمَ**.*

*وفي رواية: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ **وَسَلَّمَ**:( **تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ **كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ**فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الموسر، قَالَ: فَتَجَاوَزُوا**عَنْهُ **)**وفي رواية أُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ **الْمُعْسِرِ)*



*وما سبق هو فرع عن فضل الصدقة، ومنه فضل إقراض**الناس وإمهالهم والتيسير عليهم ومسامحتهم** ..*


*ففي الحديث الصحيح عن يَزِيدَ**بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أنه كان يُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ[واسمه مرثد بن** عبدالله اليزني] حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ**يَقُولُ**:*
*سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ **يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ )*
*قَالَ يَزِيدُ: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا**يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً**أَوْ كَذَا )*

*ومما ورد في فضل إمهال من عليه الدين**:*

*صحَّ عن **بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ **عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ**:(**مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ** بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فإذا حَلَّ** الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ بعد ذلك فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ **صَدَقَةٌ** )*


*فأوصي نفسي وإخواني بفعل ما يقرب إلى الله، وما**يباعد عن النار، وما يوصل إلى السعادة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك إقراض الناس،**والتيسير عليهم، والعفو والتجاوز عنهم*
*وفقني الله وإياكم لما يحبه** ويرضاه**..*

*والله أعلم وصلى الله**وسلم على نبينا محمد*

ملحوظة :

*ورد** الوعيد في حق من يقصد إتلاف أموال الناس ولا يريد السداد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ**رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (**مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ **وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) رواه **البخاري في صحيحه**.*

*رواه ابن المبارك ، والإمام أحمد ، وابن خزيمة في** صحيحه، وابن حبان في صحيحه ، والطبرانى ، وأبو نعيم فى الحلية ، والحاكم ، والبيهقى **وإسناده صحيح**.* http://bit.ly/c5mBYz

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق